أربعون عاماً والأقصى يحترق
بسم الله الرحمن الرحيم
((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَااسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَاإِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ))البقرة114
تمرُّ علينا غدا ذكرى تزداد صفحاتها المحترقة كلما طوينا فيها عام بعد عام، وتزداد فيها سحابة الدخان، ذكرى تفتت القلوب من هولها وتمزق الأبدان
في هذا العام وبعد يوم كما كان قبل عام ذكرى إحراق المسجد الأقصى المبارك وقد أصبحت الذكرى أمراً عادياً حدث وانتهى، أو أنه مجرد ذكرى تطرق باب النسيان مع ما مر من الأعوام.
في الواحد والعشرين من آب منذ أربعين عاما كانت البداية مع يوم جديد،
ففي فجر ذلك اليوم وعندما بدأت الشمس ترخي في السماء خيوط أشعتها الحارقة تنسجها مع الأنسام لتداعب المكان، كان الأقصى يستقبلها بشوق فتحط على مآذنه وتتراقص على القباب، تمر على النوافذ فتجادلها بالألوان تحط داخل القبلي مبتهجة راضيا بحكم نوافذ الرحمن، مشهد زاد تناغما بأصوات المهللين والمسبحين وهم منصرفين من صلاتهم راجين مغفرة من المنان، كانت الأرض تنصت لهم والسماء، أما الطيور على الأشجار فتلاحق النسمات تداعب الأغصان في بهاء
هكذا كان المشهد في فجر ذلك اليوم من أيام شهر آب، ولكن لم يكتمل المشهد ففي تلك اللحظات كانت يد الشيطان تعبث خلف الجدران كانت تضرم النيران لتحرق الأقصى ولتسقط البنيان، نعم حدثت الفاجعة وعجت سماءالأقصى بالغربان ارتفعت في الأفق سحابة سوداء غطت المكان وأكسبته ثوباً من الحزن طبعت في التاريخ وصمة عار على جبين هذه الأمة، وأنذرت بالكارثة فقد كانت سحابةً من دخان.
الدخان يعلو المسجد،الأقصى يحترق، قبابه تبكي في الم، غادرت طيوره روضها، المآذن ناحت من هول ما رأت، رجت السماء، وضاقت الأرض ذرعا بصمت العرب والمسلمين.
احترق الأقصى وأتت النيران على جنوبه فأحرقت المسجد، واتت على المنبر، ومزقت القلوب وفتت الأكباد أحرقت المصاحف والآيات، وأحرقت الأسقف، والأروقة، ولم تغفل تلك النيران كرامة العرب والمسلمين فقد احرقتها مع جملة ما احترق من المسجد وظلت سحابة الدخان تعلو في المكان،
فأرسل الأقصى في تلك اللحظات نداء عاجلا لبني الإنسان
عيلَ صبري بين أسرٍ واحتِراقْ
هَتَكَ العُهْرُ اليهوديُّ خشوعي
مِنْ رُواقٍ لرُواقْ
أشعَلوا ساحاتيَ الأخرى فُجُورا
وصفيراً ودَنَايا وسُفورا
دنَّسوا رُكنيْ ومِحرابي الطَّهورا
فأنا اليومَ أُعاني
بل أُعاني منذُ دهرٍ أَلَمَ القهرِ أسيرا
هكذا كانت كلماته باكياً دامعا صارخاً يندب عُرباً تركوه عرضةً للحرق والنهب يندب الكرامة التي فارقت أبناء العرب
نعم ندائه لامس الأحجار وفتت الصخور الصم في القيعان، وذاب الصخر بدمعه، ولصرخاته رجت الأرض وماجت البحار ولكن ندائه وبكائه صراخه هذا لم يلامس نخوة انسان!
في الذكرى الأربعين لإحراق الأقصى
ها نحن نرددالعبارة من جديد كما رددت على مدار 40 عاما " بعد أيام ذكرى إحراقالأقصى"
عام بعد عام والذكرى تتكرر، ولكن على نفس المبادء ، ولميحدث أي جديد إلى الأفضل في قضيةالمسجد الأقصىبل كلجديد هو من أسوء إلى أسوء، تمر هذا العام الذكرى الأربعين على إحراقالمسجد الأقصىواطماع اليهود كما هي بل زادت وتمادت، وصمت العربكما هو بل زاد سبات وخمولا،الأقصىمنذ اربعين عامايحترق يوميا وينتهك، وفي كل عام تزداد الإنتهاكاتللمسجدالأقصىوعام عن عام تتفاقم المأساة وتنذر بالفاجعة، والمؤتمرات التخاذليةوصفقات البيع السرية في ازدياد مضطرد، بل ونشاهد فرقة وتشرذما يزيد من هول المأساة فبعد أن كان الأقصى وجهتنا أصبحت السيادة هي الوجهة!، في عامنا هذا زادت الهجمة الشرسة على الأقصى وبدا كل شيء واضحا للجميع والمخططات السرية باتت علنية ليست بحاجة للكشف والتوضيح، فعدونا أصبح مهوسا بحلمه حول الأقصى ومعبده المنتظر ففرصته صارت وشيكة!! فقد تحول العرب من وضع الممانعة والصد إلى السكوت والصمت، وقد اتخذت بعض الحكومات طريقا آخرا للتعامل مع العدو فقد أصبحت أدوات لتنفيذ مخططاته بمؤتمرات وقرارات تصب في مصلحة كيان العدو وحده.
في عامنا هذا وبعد أن كشفت مؤسسة الأقصى في العام الماضي عن أنفاقا تخترق الأقصى يتم الكشف هذا العام عن 22 نفق يحفر أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه 16 منها مفتوحة وقائمة على طول الجدار الغربي للمسجد الأقصى أصبحت تتكون من طابقين اسفل الأقصى، وآخر يمتد بطول 600م من سلوان حتى الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى، وغيرها الكثير من الأنفاق التي صار العمل فيها بوتيرة متصاعدة جدا ليل نهار دون توقف، في عامنا الأربعين تحدثنا الأنفاق عن مدى الخطر المحدق بالأقصى فكان نتاج بعضها انهيارات في مدارس سلوان والضاحية الجنوبية وسقط اسوار لبيوت يقطنها مرابطون حول الأقصى، في عامنا هذا أصبحت الطرق المحيطة بالأقصى لا تقوى على حمل من يمر فوقها فتخر منهارة بمن فوقها جراء ما يخترقها من أنفاق، أصبحنا في هذا العام نطلق على القدس مدينة بلا جوف لما تم حفره وتفريغه في جوفها فقد أصبحت قائمة على فراغ!!، وتسقط الأشجار مقتولة في الأقصى بعد أربعين عاما من إحراقه لنجد أنها قد احترقت جذورها واحترقت اغصانها واطرافها فهي لا تجد جوفا تدك فيه جذورها فتسقط قتيلة على ثرى الأقصى .
في عامنا الأربعين لم نعد نسمع عن تلة المغاربة شيء فقد أزيلت وبدلت التلة وأصبحت أثرا بعد عين، في عامنا هذا بدا المخطط الأكثر وضوحا هو تقسيم الأقصى والعمل فيه جار على قدم وساق، فيوميا يقتحم الأقصى أكثر من 100 شخص من بينهم حاخامات ورجال دين ورجال مخابرات يصولون ويجولون في الأقصى فيدخلون غرف التحكم الإلكتروني فيه تارة ويدخلون المصلى المرواني تارة اخرى ويخرجون من أي باب يحلوا لهم، نجدهم هذا العام يصطحبون معهم مخططات ويشيرون إلى مساحات الأقصى وكأنهم يوزعون الحصص!، في العام الأربعين لإحراق الأقصى تتحول البوابة الثلاثية إلى مرقص لليهود ويقام أمامها الحفلات ليكشف الصهاينة عن نيتهم بمصادرتها بالكامل وفتحها بطابع يهودي، بعد أربعين عاما من احراق الأقصى وبعد أن احرق أحد أبوابه العام الماضي تحاول المؤسسة الصهيونية مواصلة الإعتداء على الأبواب فتقوم بمصادرة باب الناظر وتغيير أقفاله على مرأى ومسمع من العالم كله،.
في العام الأربعين للإحراق يتم المباشرة ببناءاكبر كنيس مقبب وافتتاحه باسم كنيس الخراب كي يغطي على قبة الصخرة فتصبح كنيسهم في افق النظر ولا تعود قبة الصخرة تظهر لمن ينظر إلى المدينة من الجهة الغربية الجنوبية، في هذا العام وصلت الكنس التي تطوق الأقصى إلى أكثر من 66 كنيسا تحيط كلها بالمسجد الأقصى فوق الأرض وتحت الأرض وبجهاته الثلاث.
في هذا العام يصبح حلم الهيكل وشيكا ويتم جلب مجسم ضخم جدا للمعبد ويتم وضعه بجانب المسجد الأقصى لينذر بقرب بناء المعبد وزوال الأقصى.!
العام 2009 من أخطر الأعوام التي تمر على قضية القدس والأقصى فوتيرة الحفريات تزداد والكنس تزداد والإنتهاكات والإقتحامات تزداد بشكل كبير التقسيم للأقصى صار وشيكا وانتزاع حق داخل الأقصى على الصعد العالمية بات محققا لليهود! صمتنا كعرب ومسلمين حقا مخجل وكان هو البطاقة الرابحة لتنفيذ كل مخططات اليهود.
هذا مختصر لبعض ما يحدث في العام الأربعين لإحراق الأقصى
إحراق الأقصى ليست ذكرى مضت وزالت، إحراق الأقصى ليست مجرد ذكرى تمر علينا لنذكر أن في ذلك اليوم أو في ذلك العام أحرق الأقصى ونندب ضعفنا ونبكي على هواننا وانتهت المسألة، إن إحراق الأقصى كان بوابة لمسلسل من الخطر تزداد حلقاته شدة وألم كلما زادت الأيام ومضت السنوات، إن هذه الذكرى ليست للبكاء والعويل إن ذكرى احراق الأقصى هي عبرة وحكمة تمر علينا في يومنا وفي غدنا ،إن الواجب يحتّم علينا أن نجعل من ذكرى إحراق الأقصى يوما عالمياً نذود به عن أقصانا ونجدد العهد له بنصرته والدفاع عنه ذكرى نراجع بها انفسنا ونجعل منها بوابةً ننطلق بها للتجديد والتأكيد على حبنا للمسجد الأقصى لننظر بعين الأمل نحو الأقصى لنشاهد تلك الأيادي الطاهرة التي ما توانت يوما بالذود عن اقصاها من مؤسسات تدافع عن الأقصى ،ومن رجال يفنون اعمارهم بالرباط في الأقصى،ومن أُناس وعائلات هم اهل الرباط حقاً وهم أحق الناس بالنصرة لا يزحزحهم عن صمودهم في بيوت خربة بجوار الأقصى حتى لو خرت عليهم أسقف المنازل، واجب علينا في هذه الذكرى إن لم ننصر الأقصى بتقصيرنا أن ننصر تلك الثلة المرابطة في الأقصى كي يظل اقصانا عامرا برباطهم و كي لا يفرح بنو صهيون بزوال الأقصى يوما.
إن هذا اليوم وكل يوم ينتهك فيه الأقصى هو وصمة عار يضاف في سجل هذهالأمة وستذكره الأجيال فهل نترك لها أن تذكرنا بأمة التخاذل والضياع أم أننا سنرجعلهم ذكرى صلاح وعمر بن الخطاب؟.
الأقصى أمانةفي أعناق هذه الأمة لا يملك احد مهما وصلت به المراتب أن يتنازل عن شبر واحد منالمسجد الأقصى، ومن القدس ومن كل فلسطين لأيا كان وبأي وسيلة كانت لا مفوضات ولامؤتمرات ولا قمم عهر وتخاذل ولا يحق لأحد أن يغفل عن نصرة الأقصى أيا كان صغيرا أوكبيرا شيخا أو شابا الكل سواء كل منا يقع عليه واجب نصرة الأقصى بالمال وبالنفسوبالولد وبالعلم وبالصرخة والتذكرة ولا يوجد أحد لا يملك أن ينصر الأقصى بأحد تلكالوسائل أو غيرها،
ذكرى احراق الأقصى ليست ذكرى عادية ذكرى احراق الأقصى أولى اولوياتالأمة يجب احياء هذا اليوم في كل العالم الإسلامي والبحث في حال الأقصى، النسيان خطركبير وعلى الجميع التذكرة إن ذكرى احراق الأقصى يجب ان تتحول في كل يوم إلى جحيميصب على الدولة العبرية لا ذكرى سعيدة يفرح بهااليهود.